السبت، 17 أبريل 2010




عبده خال والبوكر ..
.
.
كنت أتمنى لو فاز عبده خال بالبوكر ( الجائزة العالمية للرواية العربية ) عن رواية غير رواية ( ترمي بشرر ) , هناك روايات في رأيي أفضل وأكثر عمقا من هذه الرواية , أنا لست بناقد أدبي ولكن هذا مجرد رأي قارئ لا أكثر , فروايات مثل ( الموت يمر من هنا , نباح , الطين , الأيام لا تخبئ أحدا, مدن تأكل العشب ) حافلة بألوان اجتماعية سيقت في انسياب باهر وتنقلك إلى عوالم وحارات ومدن وشخصيات تضج بالحياة .



من وجهة نظري المتواضعة لا أحب أن تترجم هذه الرواية بالذات إلى لغات عالمية بسبب فوزها بهذه الجائزة لسبب يقلقني كمتابع لكتابات عبده خال فرغم إعجابي الشديد بعبده كروائي سعودي فذ استطاع أن ينقل الأدب السعودي خارج الحدود ورغم تحفظ البعض عليه لأسباب مختلفة يكفي أن أخرها الأسباب الأدبية , إلا أن هذه الرواية ومن خلال ترجمتها إلى تلك اللغات العالمية قد تنقل صورة غير أخلاقية لجزء من مجتمعنا العزيز , فالملاحظ على جميع أبطال هذه الرواية والبيئة التي تضمهم أنها شخصيات منحرفة , فلا تجد في تلك الشخصيات غير الشذوذ والزنى و السكر والجبروت والقسوة وحتى القتل دون عقاب يطال القاتل , ربما تناول عبده خال بعض النماذج الموجودة فعلا ولكنه سلط عليها الضوء وجعل من شخصياتهم وكأنها محور لتلك البيئة التي عاشوا فيها , ربما قصد عبده خال تسليط الضوء على تلك الشخصيات , ولكن بروز تلك الشخصيات من البيئة المحلية إلى بوابة الأدب العالمي دون تهذيبها بشخصيات إيجابية سوية (عدا شخصية واحدة وهي شخصية الأخ إمام المسجد) , ربما يعطي انطباعا بأن تلك الممارسات وبهذه الكيفية والكم تعتبر ملامح ظاهرة الوجود وقد تعايش معها المجتمع , لا شك أن الأدب هو مرآة المجتمع , وقد تشعرك هذه الرواية بالاشمئزاز من شخصياتها والبيئة التي عاشوا فيها , إن وجود النماذج السيئة في أي مجتمع سنة من سنن الله في الخلق , وعلى الأديب الواعي أن يساهم في رفع مستوى الشعور الإيجابي نحو المجتمع , فهل التغاضي عن تلك الشخصيات السلبية أهم من بروز ملامحها على الساحة الحياتية أم معالجة قبحها والتنفير من الحذو حذوها عن طريق تعريتها والإمعان في إبراز قبحها للقارئ .


ستظل الخطوط الحمراء في عالم الأدب مسألة نسبية وتختلف من مجتمع لآخر كل حسب ثقافته ونظرته للحياة , وتبقى القضية بين الكاتب والقارئ وبين المتحيزين والمعارضين مسألة اختلاف في وجهات النظر .
.
.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
.
.

تدرين .. 
إن الحياه كذبة
ليل وحروف واحلام
كلها أوقات ما لها معنى
وحكايه قديمه .. أليمه
بس عذبه
كنت أظن إن السطور
ما تتعب من الأشواق
كنت أظن ..
إن الفواصل والنقاط تسمعنا
نسيت إنها أوراق
يطلع عليها الفجر واشققها
وش بقي من وجهك .. حبيبي
وش بقي من روح تعبت أعشقها
تدرين ..
حتى حروف اسمك
عجزت إني انطقها
.
.
ليه .. يجي صوتك على غير ميعاد
تدرين إن صوتك يبعثر فيني أوقاتي
يحرك كل ما ركد من حياتي
كن الليالي توها معاك جداد
أدري .. غدينا بعاد
بس .. صوتك جا على غير وقته
مليان .. خوف وصدى
وواوهام .. ووجع ياما عشقته
تدرين ..
ان التعب سكن روحي
وان صوتك سكن جرحي
وان الوقت أكبر جروحي


ياااااااه .. طويل الوقت
اللي يجيب صوتك
اسحب مع صداه موال
واوجاع ليل وضياع وخيال
ياااااااه .. اشتقت
والله العظيم اشتقت
لعباتك تفترش ذيك الرمال
نرمي فوقها أحلام وكلام
يمكن أكون واهم
وكل ما اتخيله أوهام
بس أكيد إن بعدنا طال
اخاف قربك ..
واخاف بعدك
واخاف اضيع انا بعدك
يا بنت اعرف .. اننا ما التقينا يوم
بس انا .. أحلم
وما عليَّ لوم
ياااااه يا بنت..
من يلوم اللي يحبك
من يلوم اللي عشقت خطاه
تراب دربك
بربك من عطاك كل هالسحر
من عطاك كل هالدلال
من ملى روحك طهر وجمال
يااااه أحس بدفا صوتك يدفيني
خذاني بعيييييييييد
تخيلي ..
صرت خايف ..
وصحي كل ما فيني
ـــــــــــــــــــــــــــ
<
>

دندنه

.
انت عارف يا حبيبي
ان قلبك هو نصيبي
ولو صحيح فكرت فيَّ
كنت تسأل يوم عليَّ
بس حولك ألف واحد
يوم بتعشق ويوم تواعد
.
.
ليه تحاول تبعد أكثر
وبرضه حبك
يوماتي يكبر
ـــــــــــــــــــــــ
انت حولي وما اطولك
وعجزت أعرف ايه ميولك
يوم بترضى ويوم بتغضب
وبين دموعي تمرح وتلعب
أخاف نارك
وأخاف بردك
أخاف شوكك
وأخاف وردك
.
.
ليه تحاول تبعدني عنك
وكل ما فيَّ قطعه منك
ــــــــــــ
اسهر عشانك وانت نايم
احلم بقربك وقلبي هايم
اسمع ندايا يرجع يجيني
انت معايا والا نسيني
.
.
ليه تحاول تذل روحي
وبكل بساطه تفتح جروحي
ــــــــــــــــــــــــــــــ
الحب نعمه .. ان كنت تدري
وعشق ثاير جوا .. بصدري
سنين بيكبر .. لك لوحدك
لا تفكر .. احب بعدك
انت .. البدايه
وانت .. النهايه
.
.
ليه تحاول تعشق سوايا
.
.
وانت حبيبي
.
.
وانت هنايا
ـــــــــــــــــــــــــ 

سيدتي :

سيدتي ماذا لو جفت أوردة الوقت وليس ثمة عمر باقٍ لترنيمة عشق عتيقة ؟أتعرفين ذات أمسية حملت حزمة أقلام وأبجدية غابرة وقامة هزيلة وتوسدت حلمي .. وغفوت أمنت بخلاصي عبر تلك الأمسيات , لم أعد أذكر كيف نضبت أوردة الحلم , لكني صحوت وكأن شيئا مني غادرني , فأبحرت ضد أقداري , وكأني أرفضها , أو لم أنتشي من كأسهاأحاول أن أتذكر .. كيف بدأت الحلم , وكيف قتلت أحلامي , أو كيف قتلناها ..أأصدقك القول ..عدت خاويا مني , أتجرع ضعفي حتى أمام كلمات مبعثرة تخيفني وتصرخ بي , هاك نخب لياليك العقيمات ।أعرف جدا ॥ أني لا أملك أضلاعا لأرتبها ।وأعرف جدا ॥ أنني أستوطن ضعفي وعجزي ।وأعرف جدا ॥ أنني لن أتطهر في محراب عينيها ।وأعرف جدا ॥ أن أبناء السماء لا يستحقون لمس دنسي ।وأعرف جدا ॥ أني لا املك حتى كأس من فرح سقيم ...لم أعد أملك وقتا حتى ॥ لوجعليتها صرخت وقتئذ .. أحبك يا هذاليتها ما مارست لعبة الكلمات المعادة والأبجدية المستهلكة والمنهكة , ثم لملمت أشياءها لترحل دون إيماءة وداع , نعم رحلت وكأننا لم نلتق ذات حلم ।ليتك تعلمين .. كم كنت رجلا شرقيا أتوق لضعف امرأة ।ليتك تدركين .. كم كنت شغوفا لأن تتمسك بي امرأة .سأخبرك بسري الذي أثقلني كتمانه .. كنت أبحث عن نزف أمسياتك هنا وهناك و عندما أدركت أنها مرت بأمسيات بعيدة وتجرعتها كؤوس السهارى همست لانكساري ( عشاقها مثل الشجر زحام واجسام وضجر )

ليتنا تمسكنا بالحلم
فما عاد في العمر بقية
وسأظل
أحبك
وأكثر

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

العقيد معمر القذافي ..
.
شخصية مثيرة للجدل حقا , عندما أجد عبر وسيلة إعلامية ما خبرا عنه أتوقف قليلا أمامها , الغريب في هذا الرجل وفي شخصيته أنه ومنذ عقود يحارب طواحين الهواء ولم يمل أو يستسلم ,تقبع في شخصيته بقايا رموز وشخصيات تاريخية وسياسية وخاصة الثورية منها , يحاول ان يكون الجميع في شخصه , يرى نفسه كاسترو تارة وجيفارا تارة وماوتسي تارة وعبدالناصر أحيانا।القذافي شخصية اقرب ماتكون لشخصية رجل صدم في تاريخه الوهمي , كان يسعى يحاول ويظن أنه قادر على التغيير ليس في بلده ولكن في التاريخ الاجتماعي والسياسي البشري ।ربما الكثير من تخبطات القذافي ومغامراته ونزواته أحيانا تنبع من ذلك النداء الداخلي في قرارة نفسه أنه منقذ البشرية أو منقذ أفريقيا أو العرب يحاول أن يهز العالم بأطراف أصابعه لأنه خلق لذلك ।على مدى أكثر من أربعة عقود سقطت أوهام القذافي عظيمها قبل صغيرها , فمشاريع الوحدة التي يحلم بها والنظال في سبيلها كانت مجرد أوهام وأحلام تراكمت هزائمها لترتسم على وجهة تلك النظرة التي لا يمكن قراءتها , هرب من إحباطاته السياسية ليقع في إحباطات اجتماعية عبر الكثير من الأراء والنظريات والكتب التي لم تؤثر في أسرة واحدة في المجتمع العالمي وكأنها نظريات للمطالعة وتضييع الوقت ।

لقد انحدرت أحلام القذافي من محاولة التأثير في المجتمع الدولي إن لم يكن في الاستئثار به وتزعمه روحيا على الأقل لمغامرات واهية وفاشلة في تشاد إلى الوقوع في مستنقع طائرة ناضل وجاهد طويلا للخلاص من تلك البقعة الصغيرة , أي أحلام تلك التي انتهت عبر طائرة , وربما تلك الانهيارات الممتدة عبر عقود ساهمت في إضفاء شيء من الضبابية على شخصية القذافي .
الملازم أول معمر القذافي ومن خلال حركة الضباط الوحدويين الأحرار استولت على السلطة في ليبيا في العام 1969 وسرعان تفجرت في نفس الملازم الثائر محاولة غرس أصابعه في جسد التاريخ فقام بإجلاء القواعد الأمريكية والإنجليزية عن ليبيا وأصدر قانونا بمنع شرب الخمر ثم ألغى الدستور ومظاهر الحياة المدنية من صحافة والأحزاب وفرض الزكاة وبدأ مسلسل المغامرات الوحدوية مع مصر وتونس وتشاد , وغير بدء التاريخ بدءا من وفاة النبي صلى الله عليه وسلم .إن محاولة التسارع بعجلة التاريخ ومنذ بداية ثورة الملازم القذافي تتدل على نفس مشبعة ومتضخمة بالأحلام والتطلعات , ثم تتابعت أحلام الملازم نحو الخارج القريب والبعيد فتدخل في تشاد والفلبين وأوغندا وبين باكستان والهند وبنغلاديش وتوطيد العلاقات مع الاتحاد السوفيتي .القذافي الذي مازال يحلم بأمانة القومية العربية كما منحه ذلك جمال عبدالناصر , يقف اليوم وربما تمتليء نفسه انكسارا وخيبة لسقوط أحلامه في الدهاليز الخلفية للتاريخ , لقد كان هاجسه الأكبر ربما الوحدة العربية ثم تقلصت أحلامه لتكتلات وحدوية أصغر , (مصر السودان ليبيا) عبر ميثاق طرابلس الوحدوي ,اتحاد الجمهوريات العربية ليبيا مصر سوريا , الوحدة الاندماجية مع مصر , الجمهورية العربية الإسلامية مع تونس ,اتحاد ليبيا الجزائر , اتحاد سوريا السودان ليبيا ,الاتحاد العربي الإفريقي مع المغرب ودعوة الدول العربية للانضمام إليه , اتفاقية مراكش لوحدة دول المغرب العربي , الاتحاد العربي , الاتحاد العربي الإفريقي .
لاشك أن هذا العقيد وكما يقال (إذا كانت النفوس كبارا تعبت في مرادها الأجسام) , لا أريد أن أعلق على نزواته ومغامراته الغير محسوبة والغير مدروسة غالبا ولكني أقر له بالطموح والعمل والسعي لما يؤمن به , وبتمسكه بأفكاره ومعتقداته حتى ولو لم تعجب الكثيرين .
ولكن يبدو أن العقيد قد استسلم أخيرا لإحباطاته , وودع أحلام الثورة وانتشار أفكارها وأثارها خارج ليبيا , وهذا أمر طبيعي فما عاد في العمر بقية لمزيد من الأحلام وربما الحفاظ على بعض المكتسبات أفضل , لقد ألقى العقيد جلبابه الثوري ثم أناب ’ لم يعد يقوى على مطاردة الأحلام الثورية أو فقد القدرة على ذلك , فحادثة صغيرة بالنسبة لطموحات ثائر كلوكربي أطاحت بأخر أحلام الثائر الكبير , وحلمه الكبير بفروسية القرون الوسطى أرتد ليحطم طاولته المستديرة ليكتشف أن سيفه من خشب وأن ثورته من فقاقيع , كيف لا ومازالت تطارده لعنة الصدر وهو الزعيم الذي يحلم بحكم العرب ولم يستطع وأد ذكرى رجل واحد , الزعيم الحالم يصطاد في بحيرة آسنة قضية ممرضات الإيدز ليكسب خطوة باهتة نحو العالم الكبير .
وأخيرا يجد الزعيم الحالم فرصة تاريخية فيقف ليعنف العالم ويلقي بكل ما في جعبته نحو إسقاطاته وكأنه ينتقم من المجتمع الدولي الذي حرمه نعمة الزعامة و مكاسب الثورة ليقف مدة ساعة ونصف في الجمعية العامة في 23ديسمبر من العام 2009 ليغرس سيفه الخشبي في أوصال المجتمع الدولي , كان خطابه عقلانيا ومليئا بالصدق والحسرة والنقمة , كان يسطر كشف حساب لهذا المجتمع الدولي وكأنه يلقي أخر كلماته مودعا أحلاما أرقته عقود , لم يترك العقيد شاردة ولا واردة من أحداث وسياسات إلا وهزها في وجه الحاضرين ابتداء من عبثية المنظمة الدولية مرورا بهيمنة الولايات المتحدة عليها وأنها ليست إلا منبرا للخطابات وعرج على تعويضات الدول المستعمرة إلى غزو غرينادا وحرب العراق وأفغانستان وإعدام صدام حسين وأبو غريب وصبرا وشاتيلا واغتيال لومومبا وكنيدي وحتى انفلونزا الخنازير ومعاهدة أتوا لحظر الألغام ودار فور والقرصنة البحرية ودافع عن القراصنة الصوماليين .
إن محاولة القذافي تدويل نظرياته السياسية والاجتماعية وزعمه تطوير نظام ثالث بين الماركسية والرأس مالية ,وبدعة دولة إسراطين لحل القضية الفلسطينية , كل ذلك ويزعم أنها خلاصة تجربة البشرية وكأن تجارب البشرية توقفت عند طموحات العقيد أو كأنها نظرية جديدة عن نهاية التاريخ , لتدل على عمق تأثره بالثوريين ومحاولة طموحة ليجد مكانا أسطوريا بينهم ,لقد آمن القذافي أن خلاص العالم لن يكون إلا عبر أفكاره من خلال الكتاب الأخضر والأبيض .
القذافي رجل أعتقد الزعامة وأمن بها وحيدا وغامر كثيرا وظهر كثائر تارة وكمجنون أخرى وكمضحك أحيانا , لم يترك شأنا دوليا حتى صغائر الأمور إلا وخاض فيها بعمل أو برأي أو بتصريح .
هل القذافي أخر المحاربين الثائرين ؟هل هو أخر الفرسان الحالمين ؟هل كان صادقا مخلصا في رؤيته عالما عربيا موحدا ؟
أم هو مجرد رجل حطمته أحلامه وزعامته الوهمية ؟ربما حتى التاريخ سيعجز عن إعطاء هذا الرجل مكانة واضحة المعالم .


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 




الحالة العراقية واللحمة الوطنية لأي مجتمع ..
لا يمكن لأي متابع مهما كانت درجة وعيه أن يحيط بالحالة العراقية منذ تصريح صدام ( سنحرق نصف إسرائيل بالكيماوي المزدوج) وحتى نهاية هذه المتاهة التي دخلها الشعب العراقي و التي لا يعلم مداها إلا الله تعالى .
هل هناك مكتسبات حقيقية لسقوط صدام أم العكس ؟
لا يخطئ من يرى أن الآراء تتضارب حول هذا الموضوع وربما هذا الاختلاف يفسد للود قضية , فمن يرى أن الشعب العراقي مر بعد فترة صدام بحالة سياسية صحية لانتهاء التسلط والقمع والكبت , ولكن هل يستطيع أن يغض الطرف عن الانتهاكات والرعب وانعدام الأمن وربما ضياع الوطن بين ألف يد وألف قدم .
هل يسوى ذلك الهراء عن الحرية السياسية وانتهاء الظلم والقمع أمام موت ربع الشعب وتهجير الربع الآخر ؟
هناك من يقول نعم للحرية لا للعبودية والتسلط .
هل الحالة العراقية بعد صدام خرجت من تلك البوتقة البغيضة ؟
عين الحقيقة تقول أن العراقيين سقطوا فيما هو أسوأ وربما الأسوأ , فالواقع يقول أن غياب صدام نتج عنه ظهور ألف صدام ( ولو غاب حرامي ظهر ألف حرامي ) .
إن غياب الأمن الذي كان يتمتع به العراقيون ولو بنسب مختلفة وبحالات معينة ولكن لا شك كان هناك أمن وكان هناك احترام لسلطة الدولة وخوف من أجهزتها , فمالذي حصل عليه العراقيون بعد صدام , الإجابة شائكة ولن نحصل عليها بسهولة .
إن ما يظهر أمام الكواليس في الحالة العراقية بعد صدام هو أقل بكثير وربما أجمل مما يختبئ خلفها وربما الأيام ستثبت لنا ذلك .
من المؤكد أن نظام صدام لم يكن مثاليا وكان له أثار سلبية على العراق وجيران العراق واقتصاديات جيران صدام في الماضي والمستقبل , وما فعله بالكويت جريمة دفع ثمنها العراقيون قبل صدام , كانت الكويت القشة التي قصمت ظهر صدام ولو أن الكويت لم تكن إلا مبررا لسيناريو وضع مسبقا (بعد تهديد إسرائيل مباشرة ) , ومن المؤكد أن أي سيناريو يوضع أو تبدو ملامحه في منطقة الشرق الأوسط يصدق عليه مقولة (فتش عن إسرائيل ) .
إن الفجوة التي حدثت بشكل بطئ بين صدام والمجتمع العراقي كانت السبب في تزعزع حصنه الحصين , فصدام أعتمد على أجهزته الأمنية وبث الرعب بين طبقات الشعب , حتى الأخ لم يعد يشعر بالأمان نحو أخيه , واكتفى بتلك الحلقة الضيقة من البعثيين وأجهزة القمع عن حب المجتمع , فكان الانهيار سريعا جدا فلم يرى الشعب العراقي فائدة من حماية نظام أدخلهم في مغامرات مدمرة لأسباب مرضية تنم عن تضخم الإحساس بالزعامة لدى المهيب , ذلك الشعب الذي يمتلك مقدرات مادية ونفطية ويد عاملة وأرض خصبة وعقول مفكرة وحضارة موغلة , إلا أنه لم يجني من هذا الكم الهائل من أدوات التقدم والثراء إلا الحروب وسجون المخابرات , إن من يرى تعامل صدام مع أعضاء الحزب (كما نجد في الشبكة العنكبوتية ) لتصيبه الحيرة , فإذا كان صدام يتعامل مع خاصته ورجاله المخلصين بهذه العنجهية والغرور والتسلط والإهانة وربما الشتم والقتل , فكيف يمكن أن يتعامل مع عامة الشعب ؟؟
ربما هذا السر الغامض خلف السقوط السريع والمهين لتلك القوة الوهمية الكرتونية والتي لم تبد أي نوع من المقاومة , فشاهدنا ملامح السقوط المهين عبر الفضائيات والذي أشعرنا بالعار بهكذا نهاية لجيش كان من أقوى الجيوش العربية , السر خلف سقوط صدام كان خلقه لقاعدة خاصة من الحصون الوهمية دون دعم شعبي ودون حب وطني يحمي تلك الحصون من السقوط السريع , حتى ذلك الجيش الذي كان أشبه بأسطورة سقط في لحظات وكأن كل ضابط وجندي يقول في قرارة نفسه كفى يجب أن ينتهي كل هذا , يجب أن ينتهي حكم هذا الرجل الذي أضاع زهرة شبابنا في معارك لا نعرف أهدافها أو لا نؤمن بأهدافها , ربما وجد أولئك الرجال فرصة تاريخية سانحة ليسقط ذلك العبء عن كواهلهم بأيدي أقوى من معارضتهم وأقوى من محاولات الاغتيال الفاشلة وأقوى من الرفض والكره والحقد القابع في النفوس .
هنا نعود للحمة الوطنية التي هي الحصن الحقيقي والأقوى ضد أي تدخل خارجي لأي مجتمع , فالغزاة عبر التاريخ لا يقهرون الشعوب بل يقهرون الأنظمة والقادة , بل أن الشعوب كانت هي المقياس الحقيقي لتقبل أي تدخل أو رفضه , أليس هناك شعوب استقبلت الفاتحين ولم تراق قطرة دم واحدة لأنها رأت المصلحة في تلك الفتوحات (كما حدث في الفتوحات الإسلامية) , وشعوب أخرى أذاقت الغازي الأمرين حتى دحرته لأنها رأت مصلحتها في ذلك .
إن تفكيك اللحمة الوطنية أمر بالغ الخطورة , وهذا ما تلجأ إليه بعض الجماعات والتي تعيش خارج مجتمعاتها وتبث أفكارها وتوجهاتها نحو الداخل ربما لتصفية حسابات خاصة وشخصية , فمن الصعب أن تطلب من المجتمع تبديل نظامه والدخول ربما في فوضى عارمة ينعدم معها الأمن ويضيع الآمان لمجرد أهواء خاصة وتصفية حسابات شخصية , كيف يمكن تفكيك اللحمة الوطنية عن طريق ترديد إشاعات أو تلاوة تقارير وهمية أو مليئة بالمغالطات والمبالغات أو ربما حتى الكذب , وربما أحيانا تفاجأ بتقارير ساذجة وأطروحات لا دليل عليها أو ربما لا يتقبلها إلا أنصاف المتعلمين , إن استغلال بعض الأوضاع وبعض المظاهر التي يمكن التغلب عليها بقليل من الحوار والمكاشفة هو أفضل من سكبها في أذان الناس فتتسلل إلى قلوبهم وتضخمها أوضاعهم التي يتوقون لتحسنها دائما .
إن أقوى درع وأنجح طريقة لمقاومة مزعزعي اللحمة الوطنية هو الالتفات للداخل بدل التوجه لمحاربتهم في عقر دارهم , فبالحب وتحسين الأوضاع قدر الإمكان والتواصل مع المجتمع والاستماع لمعاناته هي الطريقة الوحيدة للقضاء على مروجي الشائعات ومفتتي اللحمة الوطنية , بل يمكن استغلا جهودهم وتقاريرهم وإشاعاتهم وحتى أكاذيبهم للرد عليهم بعنف وربما ينقلب السحر على الساحر , وكلما أوقدوا حربا يطفئها القادرون على ذلك , وهذا يتأتى بكل بساطة عن طريق إصلاح ما زعموا أنه فاسد وإعطاء ما زعموا أنه منع وتغيير ما زعموا أنه لا يتغير , وكل ذلك في أفضل حدود التلاحم بين القادة والشعوب عن طريق المصارحة والمكاشفة ثم التغيير المدروس والخاضع لرضى الجميع حكاما ومحكومين , عنده فقط لن يجد أولئك النفر والذين يتوقون لتحطيم اللحمة الوطنية والأنظمة المستقرة ما يقولوه أو يفعلوه , لأن الإرادة انتقلت لأيدي الشعب الذي قرر الحفاظ على لحمته الوطنية وعلى مكتسباته والتي أهمها وأغلاها الأمن والآمان على المال والعرض والدين والولد ( ولنا في الحالة العراقية خير شاهد) .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

بين الكلمة والسيف :
.
.
فئتان من البشر غيروا وجه العالم بشكل جذري , الأنبياء والقادة , ولكن ثمة فرق في الطريقة التي سلكتها كل فئة , فالأنبياء غيروا وجه العالم بالكلمة والقادة بالسيف .



قبل ظهور الدولة الحديثة بدأت المجتمعات البشرية في التكون والتوجه من الحياة البدائية التي تقوم على الفردية في مواجهة البقاء إلى التكلات الاجتماعية المتعاونة فيما بينها للتغلب على صعوبات هذه الحياة , ثم ظهر الأنبياء والقادة , ليس مهما من ظهر قبل من , ولكن المهم أن هذا العالم كان من الممكن أن يتشكل بوجه غير الذي نعرف لو انفردت فئة من الفئتان بمفاتيح التغيير والتشكيل لوجه المجتمع البشري .


الأنبياء حملوا الكلمة وعاشوا في حدود تلك الكلمة بكل ما تختزنه من معاني نبيلة , فكانت سلوكياتهم أهم عنصر في أدوات قدرتهم على التغيير , كانوا يؤثرون بدء من محيطهم القريب ثم تنطلق كلمتهم للأبعد , ولو قدر لهم أن يمضوا في محاولاتهم إلى ما لا نهاية لربما غطت كلمتهم وجه الأرض , ولو قدر لهم ذلك لكان المجتمع البشري وحدة اجتماعية متجانسة ومتماسكة , حتى لو ظهر من بين شعوب الأرض قادة متمسكين بقدسية الكلمة التي طبعت من قبل الأنبياء فلربما كانوا قادة أشبه بتلاميذ لهم أي قادة يحافظون على الإرث النبوي ويتصرفون في حدود ذلك الإرث .


أما القادة فهم الفئة التي حملت السيف ومهدوا طريق التغيير والتأثير بالدم , ولو أراد الخالق أن يستأثروا بوجه العالم لما خرجت البشرية من بحور الدماء , ولولدت سلطة أو دولة أو أي كيان سياسي في كل شبر من الأرض .


كانت كلمة الأنبياء توحد البشر نحو الاستسلام لرب البشر والسير على منهاج يضعوه بناء على اتصالهم بالله , كانت طريقة إلهية للتعايش بين تلك الأجناس المتنوعة من البشر تحكم حياتهم منذ استيقاظهم من النوم وحتى استسلامهم له أخر النهار , والشرائع السماوية المختلفة حافلة بأنماط السلوك القويم الذي يحول حياة الناس لجنة دنيوية لا توصف .


وعلى النقيض كانت سيوف القادة تنشر الخراب والدمار والموت والخوف , وكانوا لا يتورعون في إدخال شعوبهم ولأعوام طويلة في حروب ودم من أجل غاية ربما تكون أحيانا شخصية أو قائمة على تصرف (سيكيوباتي) بحت , وربما قضى جيل من الشباب أبهى سنوات عمره وهو يقاتل من أجل قضية لا يؤمن بها أو ربما لا يعرفها , قرأت ذات وقت أن أما روسية بكت ابنها الذي مات في حرب عابثة وعندما واساها أحدهم قالت : (كنت أتمنى أن أعرف القضية التي مات ابني من اجلها ) .


إذا هي سيرة طويلة للمجتمع البشري بين الكلمة والسيف , ولكن لمن كانت الغلبة دائما ؟


عند بداية تكون المجتمع البشري ومنذ الأسرة الأولى لأبيهم آدم ولد الموقف الأول بين الكلمة والسيف , فقابيل كان البادئ في فرض رأيه بالسيف وهابيل كان صاحب الكلمة , قال قابيل ( لأقتلنك) وقال هابيل (ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك) ثم يشير هابيل للمنهج الذي يتبعه في إيمانه بقوة كلمته وهو (إني أخاف الله رب العالمين ) , هكذا ولدت المجابهة الأولى بين السيف وبين الكلمة , وربما كانت الغلبة للوهلة الأولى للسيف , وهي غلبة سريعة متسرعة متهورة يحكمها الغضب والحقد , وربما سقطت قوة الكلمة سريعا أمام سطوة السيف , ولكن المجتمع البشري لديه الوقت الكافي لقطف ثمار ونتائج تجاربه , لقد أثبت التاريخ أن النصر السريع ليس دائما نصرا حقيقيا ولكن النصر الحقيقي هو مدى تأثير الموقف أيا كان على المدى الأبعد , فهاهو قابيل وبعد قطف ثمار نصره السريع يقع في دائرة الندم الطويل الذي يسحق في طريقه لذة التفوق الخاطف (قَالَ يَا وَيْلَتَى أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ) .


ربما ورث أبو السيف الأول قابيل جزئية الندم تلك لأحفاده القادة أصحاب السيف , فمثلا عندما وقف نابليون وهو القائد الفرنسي والذي يعد من أكبر حملة السيف في التاريخ على تحطم عساكره في روسيا بردا وجوعا وتمردا شعر عندها بنوع من الندم على تلك المغامرة التي لا مبرر لها والتي راح ضحيتها أكثر من 25 ألف إنسان , وكذلك القائد البشري الكبير هتلر والذي يعد انتحاره نوعا من الندم على عدم انتصاره ونشر سلطته بقوة السيف .


مات الأنبياء وورثوا كلمات تشكل حياة ملايين البشر وتقبع داخل أفئدتهم وتمدهم بأرقى المعاني السامية والطمأنينة النفسية لكل المؤمنين بها , وورثوا نوعا من الوحدة المتجانسة التي تجمع أعراقا وشعوبا مختلفة الأماكن والاتجاهات والأفكار والرؤى والتطلعات ولكن تجمعهم كلمة نبي , هذه الكلمة هي الفيصل إذا ما اختلفوا وهي الملاذ إذا ما تشتت أفكارهم وهي الحصن إذا ما تفرقوا .


إذا ما الذي يؤجج نار الصراعات بين أبناء الكلمة الواحدة ؟


إنها ولا شك سلطة السيف .


ستظل الحياة البشرية تتقاذفها سلطة السيف وسلطة الكلمة , وربما كانت سلطة السيف أقوى وأسرع وأدهى وأمر وتمتلك الرقاب , ولكن من المؤكد أن سلطة الكلمة تقبع في النفوس هادئة تبني بصمت وتمتلك القلوب , ربما نصرها بعيد ومحبط في أزمنتنا الحديثة نوعا ما , ولكن التاريخ لا يُقهر , وكمثال على ذلك تلك الكلمة التي نزلت من الخالق , كلمة واحدة على محمد صلى الله عليه وسلم وهي ( اقرأ ) حملها محمد وجابه سيوف قريش , وكسرى وقيصر ( أعظم قوتان على الأرض ) فانطوت شعوب تلك الحقبة من الزمن تحت لوائها , وإلى أن تقوم الساعة ستظل لتلك الكلمة ( اقرأ ) سحرها الرباني على مختلف المجتمعات البشرية .


وسيظل السيف يفرق , وستظل الكلمة تجمع , هذه سنة الحياة في الأرض منذ أن قالها أبو الكلمة الأول (هابيل) : (ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك) , وسيظل حال البشر مع الكلمة والسيف كما قال تعالى : ( مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا ) .


فالسيف يقتل والكلمة تحيي .


وقتل الواحد كقتل الكل .


وإحياء الواحد كإحياء الكل .


ولن يصلح حال البشر إلا بكلمة تحيي الكل .
ـــــــــــــــــــــ
.
.
إلى من يهمها أمري ..
سيدتي .. 
http://adelasare.blogspot.com/



ماذا لو جفت أوردة الوقت وليس ثمة عمر باقٍ لترنيمة عشق عتيقة ؟


أتعرفين ذات أمسية حملت حزمة أقلام وأبجدية غابرة وقامة هزيلة


وتوسدت حلمي .. وغفوت


أمنت بخلاصي عبر تلك الأمسيات , لم أعد أذكر كيف نضبت أوردة الحلم , لكني صحوت وكأن شيئا مني غادرني , فأبحرت ضد أقداري , وكأني أرفضها , أو لم أنتشي من كأسها


أحاول أن أتذكر .. كيف بدأت الحلم , وكيف قتلت أحلامي , أو كيف قتلناها ..


أأصدقك القول ..


عدت خاويا مني , أتجرع ضعفي حتى أمام كلمات مبعثرة تخيفني وتصرخ بي , هاك نخب لياليك العقيمات .


أعرف جدا .. أني لا أملك أضلاعا لأرتبها .


وأعرف جدا .. أنني أستوطن ضعفي وعجزي .


وأعرف جدا .. أنني لن أتطهر في محراب عينيها .


وأعرف جدا .. أن أبناء السماء لا يستحقون لمس دنسي .


وأعرف جدا .. أني لا املك حتى كأس من فرح سقيم .


لم أعد أملك وقتا حتى .. لوجع


ليتها صرخت وقتئذ .. أحبك يا هذا


ليتها ما مارست لعبة الكلمات المعادة والأبجدية المستهلكة والمنهكة , ثم لملمت أشياءها لترحل دون إيماءة وداع , نعم رحلت وكأننا لم نلتق ذات حلم .


ليتك تعلمين .. كم كنت رجلا شرقيا أتوق لضعف امرأة .
ليتك تدركين .. كم كنت شغوفا لأن تتمسك بي امرأة .
سأخبرك بسري الذي أثقلني كتمانه .. كنت أبحث عن نزف أمسياتك هنا وهناك و عندما أدركت أنها مرت بأمسيات بعيدة وتجرعتها كؤوس السهارى همست لانكساري



( عشاقها مثل الشجر
زحام واجسام وضجر )
ليتنا تمسكنا بالحلم ..


فما عاد في العمر بقية ..


وسأظل .. أحبك .. وأكثر
ــــــــــــــــــــــــــ
.
العجز




لا شك عانى كل منا عجزا من نوعا ما .
العجز الذي أقصده هنا هو العجز نحو التغيير , أي أن تقف عاجزا عن تغيير حياتك بطريقة أو بأخرى , الحياة بطريقة روتينية مملة قد تولد لديك شعورا بالبلادة , تشعر وكأنك تحدق نحو اللاشيء .
ومن صور العجز البائسة أن تشعر بالعجز بأن تحب , ربما لأن الوقت قد فات , أو لأنك مررت بمنعطف رومانسي على حين غرة .


أحيانا يكون عجزك حتميا , لا مهرب منه , أو ربما لا تستطيع أن تهزمه .


هل جربت أن تقف عاجزا أمام عجزك ؟


أحيان كثيرة أقف عاجزا أمام الكلمات , تقهرني فكرة أو مشاعر ثائرة وأقف عاجزا عن صلبها على ورقة أو على مفاتيح الكيبورد .



هل نخضع لقانون العجز حتى في عواطفنا ؟


ليس من حقي أن أحب وقتما أشاء , فهناك نوع من العجز يبرر هذا .


هل اكتسب العجز نوعا من التشريع الاجتماعي أو النفسي يجبرنا على الخضوع له ؟


هناك تبعات نفسية واجتماعية ودينية رضينا بها جعلت من بعض صور العجز واقعا حتميا وكأسا مرة نستسيغ تجرعها قهرا أو خضوعا لا فرق .


العجز هو قرار ذاتي مر المذاق ولكنه يمنحنا الطريق الأسهل لتجنب المزيد من الألم , فالاستسلام للرغبات المكبوتة , أو الملذات المحرمة , أو حتى العلاقات العاطفية التي تولد في أوقات غير مناسبة قد يولد الكثير من الألم لنا وربما يمنح الكثير من الألم لمن لا يستحقون .



لماذا تذكرت العجز الآن ؟



ذات زمن كنت مغرما بكتابات الأستاذ الكبير عبدالله الجفري رحمه الله تعالى , وأذكر أنني قرأت رواية له بعنوان (جزء من حلم ) وأخرى بعنوان ( فقط ) , ربما كنت يافعا وقتها كثيرا وكنت حالما أكثر , فبكيت كثيرا وقتها , فأرسلت له رسالة نشرها كاملة في زاويته في جريدة عكاظ العدد 8616 بتاريخ 19 رجب 1410هـ (طبق الأصل) وكان مما جاء فيها :


( يا أنت .. أيها الإنسان المتعب بإنسانيته


ستظل تبحث عن الأقسى .. وسيظل هذا المخلوق يستفزك للبحث عن أشياء أخرى , قد تسأل : ما الذي يمكن أن تكتشفه بين ضلوع هذا الإنسان ؟


هل هو التغيير أم العجز ؟


أواه من العجز .. ذلك الطاعون المخيف الذي يخنق فينا ( النبض) وينمي (الظمأ) الأسود في أحداقنا المتلهفة لذكرى جميلة مؤلمة , ذكرى جميلة (فقط) .. ربما - مابين الأقواس أسماء كتب للأستاذ الكبير عبدالله الجفري - .


ومن تلك الرسالة أيضا :


- يا أنت أيها الإنسان المتعب بإنسانيته , هل مازلت تتحدث عن الأقسى ..


أما زلت تستنكر ثقافة العقل وأمية الوجدان ؟


أما زلت لا تصدق كيف نقدر على فصل الحب عن الحياة ؟


- يا أنت أيها الإنسان المتعب بإنسانيته ..أما زلت تبحث عن صورة طبق الأصل لذلك الإنسان التائه بين أعمدة الدخان النووي .. المولي وجهه شطر الفضاء النووي , ويهرب من شتاء نووي ويتناول الهمبرغر النووي , ويمارس العشق النووي ؟


- أما زال حوارك ينساب (حزنا دافئا ) مع ذلك المخلوق الذي أصبح (جزءا من حلمك ) الإنساني الكبير ؟


- يا أنت أيها الإنسان المتعب بإنسانيته .. اسمح لي أن أقذفك بسؤال متورم بذلك السرطان المؤلم ( الاقتناع المستحيل) وليتك تسرف وتخبرني كيف أدرك (أنا) أن قلوب الناس عامرة (ولا قلب لي ) ؟


فلماذا أصر وأنا أحد إنسانيي هذا العالم على قتل الإنسان الأوحد الذي أحب ؟


ما أشقاني وعقلي يوغل في ثقافته .. وما أتعسني ووجداني يوغل في أميته .. ما أشقاني وأنا أضع المبررات التي تمحي خطيئتي وتغفر ذنوبي , ماذا أقول ؟


ما أبشع أن يحاول واحد من إنسانيي هذا العالم أن يمحو أمية وجدانه , وما أبشع أن يعجز العقل المثقف عن محو هذه الأمية .



تخيلي ..


حتى وأنا في عنفوان عاطفتي وشبابي كنت خائفا من العجز .. وتتالت هزائمي لأظل أسير عجزي نحو أشياء كثيرة , لعل أهمها (أنتِ) .


قال نزار :


(كل الدروب أمامنا مسدودة


وخلاصنا في الرسم بالكلمات )



ولكن ماذا لو عجزنا حتى عن الرسم بالكلمات .. فمالذي يتبق لنا ؟؟؟
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
.
.
حتى أتانا اليقين ..



هو حديث الموت , ذلك الموقف القريب البعيد , كأننا متيقنين أن هذا الزائر الحتمي يمر على الجميع ليلقي عليهم تحية الحياة الأخيرة وينسانا دوما , عندما تتوجه إلى مناسبة عزاء ربما يصعب عليك أن تتخيل بعض الناس وهم يتوجهون ذات يوم إلى حيث يؤخذ عزاك أنت , نلهث خلف هذه الدنيا الفانية ولا نملك اليقين الكافي باستمرار ثوانيها وأيامها , ربما نظلم , نسرق , نزني , نأكل المال الحرام , تقطع الرحم , وربما نزهق نفوسا بريئة وأخر ما نفكر به هو هذا اليقين .


تخيل لو أن طبيبا أنبأك أنه لم يتبق لك في الحياة غير أيام , وأنت غارق في الحرام , فأي شيء تفكر فيه عندها وترغب في عمله قبل أن تفارق هذه الدنيا , من المؤكد هو إعادة النظر في علاقتك مع الله , تتخلص من ممارسة تلك المحرمات وتوابعها قبل كل شيء ثم تتفرغ لترتيب أمور أسرتك وما يضمن لهم حياة كريمة من بعدك , طبع هذا إذا امتلكت الوقت الكافي لفعل كل هذا , فلو قدر لك أن تمتلك ذلك الوقت فأنت محظوظ وقد منحك الله فرصة نادرة للتوبة ورد المظالم ما أمكن , ولكن هل فكرت لو أن هذا اليقين جاءك بغتة ودون سابق إنذار , ربما تمر أمامك لحظات فقط تتمنى فيها لو أن الله يمنحك ساعات أو أيام لتعيد ترتيب أوراق حياتك , ربما تكون المظالم أثقل من أن تفكر فيها في تلك اللحظات .


لماذا .. نترك هذا الهم والثقل حيث لا وقت ؟


نحن ننسى أمر اليقين ونغرق صباح مساء في ألا يقين .


العجيب والغريب أنه مهما عظمت مظالم بعض الناس وتراكمت ذنوبهم وتضخمت أفعالهم السيئة إلا أنهم لا يفكرون لحظة واحدة في وقت الحساب والجزاء , وربما يسوفون التوبة أو لا يهتمون بما بعد اليقين ومواجهة رب العالمين .


وربما الأعجب والأغرب وما يمكن أن نسميه جبروت البشر , أن تجد من هو في سن لا يفصله بحسابات المنطق عن اليقين إلا لحظات أو أيام , وهو يعرف أن داعي اليقين ربما يزوره فجأة في أي ثانية من ثواني هذه الحياة الفانية , وتجده يعب من المظالم ويوغل في المحرمات واكل مال الناس بالباطل , وربما تكدست لديه المليارات التي جمعها من الغل والربا والسلب المبطن والنهب الخفي والظاهر ويقول هل من مزيد !!!


وكأنه في مأمن عن مكر الله أو خارج دائرة اليقين , هل من الصعب على ذلك العقل البشري أن يمر في خلده أن مساحة حقيرة من هذه الأرض الواسعة تنتظره بظلامها ورطوبتها وعفونتها ودودها وضيقها في أي وقت وفي أي لحظة من لحظاته القليلة الباقية ؟


خسر البيع ..


خسر البيع أيها الغافل الذي ران على قلبك ما أنت فيه .


تلك قسمة ظالمة التي قسمتها بين حياتك القليلة الفانية وبين حياتك الخالدة حيث لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم .


ها أنت بحضرة اليقين , وانقشعت الغمة وتحشرج الصدر , هاك لك بضع ثوان تمتع فيها بذهبك وملياراتك وتفكر , ماذا سينزل معك في حفرتك تلك , مزارعك , مسابحك , طائراتك , حساباتك السرية والعلنية , فتياتك اللاتي يحطنك متبرجات كاسيات عاريات , يخوتك , قصورك , (حرائرك وبدلاتك وبشوتك وعودتك) تذكر وأنت في كامل عافيتك وتمتلك من هذه الدنيا لحظات غالية تمكنك من مراجعة حساباتك مع آخرتك وربك , أنه لن ينزل معك إلا قطعة قماش بيضاء لا تتعدى قيمتها 50 ريالا من كل ذلك الكم الهائل من الحسابات والأرصدة والعقار والأراضي والمزارع والقصور والسيارات الفارهة , ثم يأتيك السؤال المخزي ( ومالك كيف اكتسبته وفيم أنفقته ) .


هل لي بسؤال أيها الغافل عن أمر اليقين :


لمن تركت كل ما جمعت وبكل وسائل الشر ( وهنيئا لمن جمعها حلالا وأنفقها حلالا وبنى أخرته قبل دنياه) , ربما اهتم ورثتك بتقسيمها قبل اهتمامهم بالترحم عليك , وربما تقف بين يدي الله وتتمنى لو عادت بك الحياة لتجمعها بخير وتنفقها بخير لتفوز في هذا الموقف العصيب , عندها تمر دنياك كثوان معدودة أمام ناظريك (كأنهم يوم يرونها لم يلبثوا إلا عشية أوضحاها) , وتقول في نفسك : ماذا لو أنفقتها وأنا في أرذل العمر في وجوه الخير , كم من أسرة كان يمكن أن أوفر لها حياة كريمة , كم من شاب أمنت له عمل وبيت وزوجة , كم من رجل أو امرأة تلقى العلاج بأموالي , وكم وكم وكم .


هل تخيلت عدد الأيدي التي ترتفع صباح مساء لتدعو لك ؟


وهل وصلك في دار اليقين دعاء الأيدي التي تدعوا عليك؟


ربما ينطبق هذا العرض على كل إنسان على وجه الأرض , فقيرهم وغنيهم أنثاهم وذكرهم , شابهم وشيخهم , ولكن أصحاب الثروات ربما أقدر على نماء الرصيد السماوي عبر دعاء المحتاجين ونتاج الأعمال الخيرية وبناء المساكن لهم والمستشفيات ودور العجزة والمعاقين والأيتام , فالصلاة والدعاء والصوم والحج للجميع , ولكن الإنفاق المؤثر في المجتمع للأثرياء وحدهم .


ذات مساء كنت عند أحدهم قبل أن يجري عملية قلب , كان لا يدري هل سيعيش أو يموت بعدها , نظر من نافذة الغرفة فرأى شكلا جماليا في الشارع , كان كثيرا ما يمر عليه عندما كان في أتم صحة وعافية , قال لي : لا أدري بعد ساعات هل مقدر لي أن أرى هذا الشكل مرة أخرى , تحدث معي كيف كان يمر أمامه ولم يخطر بباله يوما أن يراه من نافذة المستشفى يوما وهو على وشك أن يودع الحياة , قال : كم أتمنى أن يأتي يوم و أمر عليه وأتذكر رقدتي هذه وشعوري بدخولي دار اليقين , من المؤكد أنني سأصحح كثيرا من أوضاعي وأعالج أخطائي وأصحح مساري مع ربي وأدخل قبري وألقى ربي بقلب سليم , ثم أردف : هل تعلم أنا مندهش كيف لم تتجلى لي حياتي قبل الآن , الآن أتذكر كل ذنوبي وأخطائي وتقصيري مع ربي , لماذا نسيت ما يجب أن أتيقن منه فقط في هذه الدنيا الفانية ؟ لماذا نسيت (الموت) ؟


هل تعلم كم من عزاء حضرت , وكم من نعش حملت , وكم من ثرثرة حول الموت تشدقت بها , وكم من الحكم والأمثال والعبر سمعت , كلها كانت محض كلام ودخان تبدد قبل أن تتبين معالمه , الآن فقط أحسست بكل ما تحمله تلك المواقف من غصة وإحساس حقيقي بتداعياتها , لماذا , لأنني أضع أقدامي على أولى عتبات اليقين .


لقد مُـنح صديقي هذا فرصة أخرى , ومررت معه عدة مرات أمام ذلك المجسم الجمالي وتذكرنا تلك اللحظات ( أصدقكم القول لقد تغير كثيرا كثيرا من تلك اللحظات , وإن لم يكن بالقدر المثالي , ولكنه تغير حقيقي وجذري ) .
هل يجب أن نقترب من الموت ونلمس أطراف جلبابه لنعرف ما نحن عليه وما يجب أن نفعل , هل هناك ما يضمن تملكنا لفرصة الندم والتغيير والتصرف قبل الوقفة العظيمة ؟


إن الدهشة العنيفة تصيبني عندما أرى أو أسمع أو اقرأ عن أحدهم وهو قد تجاوز السبعين , وقد لمس جلباب الموت مرات ومرات ولا يتوانى بل يحرص على جمع الثروة وتكديسها حيث لا يعلم , وحيث لا يدري كيف تُصرف ومن يصرفها , وربما الأدهى والأمر أنه يعلم أن أعداء الله يتمتعون بها أكثر منه , هناك من بين ظهرانينا أسر لا تجد ما يسد رمقها , وهناك أسر لا تعرف شكل اللحم والفاكهة , وهناك أسر تسكن الصناديق والخيام الممزقة , وهناك أسر لديها أطفال معاقين , وآخرين يتكدسون في غرفة واحدة , هناك شباب وفتيات يحلمون بحياة كريمة , زواج وبيت وأسرة وأطفال , هناك فتيات وشباب وأطفال أيضا يحلمون( بلاب تو وجوال وبلاي ستيشن ) أليس من حقهم ذلك , هناك شاب يتوسد أحزانه عبر ليلة ظلماء يتفجر شبابا وحيوية وتمزقه الأفكار ولا يحلم إلا بزوجة صالحة وشقة غرفتين , وهناك فتاة تعبث بشعرها كل مساء وتنظر لكثبان الظلام , تتقلب شوقا لمعاني الحياة ولا تحلم إلا بذلك الشاب وتلك الغرفتين وطفل تمنحه دفئ صدرها وتسكب علية أبهى مشاعرها , وهناك رب أسرة يحلم أن يدخل على أطفاله بلعب كثيرة , وطعام لذيذ يحلم أن يدخل على زوجته بعقد أو سوار أو فراش جديد وأن يأخذهم مساء الخميس للبحر أو البر ولكنه لا يملك سيارة أليس من حقه أن يحلم بسيارة ؟ .
سنة الحياة أن يكون هناك فقراء وأغنياء , ولكن ألا يستطيع بعض من الأثرياء أن يتخلوا عن جزء يسير من الثروات المكدسة في مصارف الغرب والشرق ليحققوا حلم تلك الفتاة وذلك الشاب وهذا الرجل .


في دار اليقين ستتحول تلك الأرصدة في مصارف الغرب لنار تصهر على الجلود وهذا ليس قولي إنه قول صاحب دار اليقين رب العالمين حيث يقول سبحانه (يوم يحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم هذا ما كنزتم لانفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون ) وما أقربه من يوم لو تأملنا في حياتنا الآن أليس الشهر كالأسبوع والأسبوع كاليوم واليوم كالساعة هل أبالغ في تصوري هذا أليس هذا تصديقا لقوله تعالى (كأنهم يوم يرونها لم يلبثوا إلا عشية أوضحاها ) .


وأيضا في دار اليقين ستتحول تلك الأموال التي غيرت حياة تلك الفتاة وذلك الشاب وهذا الرجل , وربما المئات غيرهم إلى أكف تدعوا لصاحبها ليل نهار فتمهد له طريق الجنة .



أليس هذا بيع رابح يا أصحاب الثروات .


أليس هذا بيع رابح يا أصحاب الثروات .


أليس هذا بيع رابح يا أصحاب الثروات .


أليس هذا بيع رابح يا أصحاب الثروات .


هي دعوى من دار اليقين وقبل أن تحملنا الأكف إليها , لي , ولك , ولها , أن نرمي حجر الأساس لدار لا نظمأ فيها ولا نضحى , ولا نجوع فيها ولا نعرى , ونبعد عنا وقفة خزي أمام رب العالمين .


ولنتذكر أننا نملك الوقت الآن لتفادي وقتا لا نملكه ونتمنى لو نملك ثانية منه ذات وقت 
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مقال ذا علاقة


http://www.aljsad.net/t116018-8.html#post3829386

ركني القصي الأول